قال الله عز وجل: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى))[طه:124] نعوذ بالله من ذلك، فالصراط أحدُّ من السيف وأدَّق من الشعرة، فكيف إذا بعث الإنسان أعمى، هل يمشي على هذا الصراط أم يقع في النار -نعوذ بالله-؟ ((قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً))[طه:125] يقول: إنك يا ربنا تعيد الخلق كما بدأته أول مرة، فكيف هذا العمى بعد البصر في الدنيا؟ قال: ((قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى))[طه:125-126] - نعوذ بالله - ولهذا نخاف والله من أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم شاكياً لرب العالمين: ((وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً))[الفرقان:30].
فهجر القرآن هو الإعراض عن ذكر الله تبارك وتعالى، وعن تحكيم كتابه، عن التعاون لإقامة دينه، وخصوصاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نخشى والله أن يكون هذا الهجر واقعاً فتكون النتيجة هي أن نفقد السعادة والهداية.
وانظروا إلى الذين يتعاونون لإسقاط حد من حدود الله تبارك وتعالى، أو الشفاعة في حد من حدود الله تبارك وتعالى، إن ذلك يسبب الهلاك، ولذلك لما سرقت امرأة مخزومية من قريش، وهاب الصحابة أن يكلموا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شأنها، وعلموا أنه سيقطع يدها، فكلموا أسامة بن زيد لعله يشفع لها عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمنزلته عنده، فأتاه فكلمه، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكأن الأمة قد انقض عليها صاعقة من السماء، وقال: {إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد}.
فإذا كان المجتمع يتواطأ ويتعاون على أن لا يقام حد من حدود الله تبارك وتعالى، أو على أن يشفع في حد من حدوده، فإن النتيجة الحتمية لهذا المجتمع هي أن يزداد الخوف، وتزداد الجريمة، أما إذا كان التعاون على البر والتقوى، وكان موظف أو رجل الهيئة مع رجل الأمن، ومع الرجل العادي، كلهم يتعاونون على ألا تشرب الخمر -مثلاً- وعلى ألا يكون الزنا، وتكون السرقة، وإذا كان حد من حدود الله تبارك وتعالى لم يشفعوا فيه، ولم يبدلوا ولم يغيروا في البيانات ولا في الأوراق، ولا في أي شيء من شأنه أن يعطل هذا الحد أو ينفيه، فإن النتيجة حينئذٍ أن يكون الأمن والرخاء بإذن الله تبارك وتعالى.